فصل: المقالة الثانية: حميات العفونة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في حمى يومٍ تخمية امتلائية:

قد يحدث من التخم أبخرة رديئة تشتعل حرارة وتلتهب الروح حتى وخصوصاً في الأبدان المرارية والتي ليست بواسعة المسام فإن أكثر فضولها يبخر أبخرة دخانية ويقل فيها الجشاء الحامض وأقل الناس استعداداً لها هم الذين يأخذون بعد التخمة في الرياضة والحركة والتشمس والاستحمام بعدما عرض لهم من هذا فتكثر فيهم البخارات الدخانية وخصوصاً إذا كان بأبدانهم وجع ولذع وخصوصاً في أحشائهم.
وأما عن مادة الجشاء الحامض فقلما تتفق أن تتولد حمى وإن تولدت كانت ضعيفة بل لن تتولد ويظن المتولد مع الجشاء الحامض أنه لسبب غير التخمة وهؤلاء إذا انطلقت طبائعهم انتفعوا جداً وزالت حُماهم لانتقاص العضل الدخاني.
ويختلف علاج من تحتبس طبيعته منهم ومن تستطلق ومن حُم من تخمة ولانت طبيعته مجلسين ثلاثة ثم افتصد قوي عليه الإسهال وربما صار كبدياً يحد عليه الخفقان وسواد اللسان ويشبه أعراض حمى الامتلاء اليومية أعراض الحمى المطبقة فيحمر العينان والوجه جداً ويكون التهاب شديد ويعظم النبض ويسرع وتحمر القارورة ثم أكثر ما تبقى ثلاثة أيام.
واعلم أن حمى التخمية قد تأتي بأدوار أربعة أو سبعة ومع ذلك تكون حُمى يوم ولكن نبضه يكون صحيحاً.
العلامات: علاماته تغير الجشاء إلى حموضة أو دخانية فإذا تغير الجشاء إلى الصحة آذن بالبرد وبول هؤلاء عديم النضج مائي وإذا سبب التخمة سهراً كان في وجوههم تهيج.
وفي أجفانهم ثقل.
العلاج: صاحب هذه التخمة لا يخلو إما أن تكون طبيعته غير منطلقه وإما أن تكون طبيعته منطلقة فإن كانت طبيعته غير منطلقة فبالحري أن يطلقها وإن كان شيء من الطعام والثقل باقياً في المعدة فيجب أن يقيئه ثم يطلقه وينظر أين يجد الثقل فيعرف هل الأصوب استفراغها بالحقن والحمولات أو بأشياء تشرب من فوق ليسهل أو ليحط أو ليهضم ويدل على الصواب من جميع ذلك حال الجشاء فربما احتجت إن كان الطعام واقفاً من فوق ويتعذر القيء أن لا يلتفت إلى الحمى ويستعمل الفلافلي ليحدر ويحط مع الهضم أو يستعمل ما هو أضعف منه ويستعمل النطولات والأضمدة الهاضمة المعروفة في باب الهضم والمطلقة المعروفة في باب الإطلاق.
فإذا انحدر فإما أن يخرج بنفسه وإما أن يعان بحمول ويجاع عليه حتى لا يبقى شبهه في بطلان التخمة ثم يتناول الغذاء الخفيف السريع الهضم الجيد الكيموس والفزع إلى النوم والجوع مما يكفي المؤنة في الخفيف من الامتلائي.
فإن كانت الطبيعة منطلقة نظرت هل الشيء الذي يستفرغ هو الشيء الذي فسد فإن كان ذلك فلا يحبس حتى يستفرغه عن آخره وانتظر انحطاط النوبة وأدخله حينئذ الحمّام وغذه إلا أن يكون هناك إفراط يجحف بالقوة فلا تدخله الحمام بل غذه وقو معدته بالأشياء التي تعلمها ورسم لك بعضها في باب الإسهالية.
ومن ذلك صوف مغموس في زيت فيه قوة الافسنتين أو في دهن ناردين بعد أن يكون قد عصر وفارَقهُ جلّ الدهن وإن دام الانطلاق ووجدت ما يخرج من غير جنس ما فسد استعملت دهن السفرجل الفاتر الطري على هذه الصفة ودهن المصطكي وليس أيضاً في دهن الناردين مضادة له وربما استعملناها قيروطيات وخصوصاً إذا لم يحتمل الحال شدها على بطونهم.
وربما احتجنا إلى أضمدة أقوى من هذا عن الأضمدة المذكورة في الهيضة وتسقيه مياه الفواكه إن نشط لها وتغذوه بما يخفّ غذاؤه ويسهل هضمه كخصي الديوك والسمك الرضراضي ويقدم عليه شيء من الفواكه والعصارات والربوب القابضة.
وإن انقطعت شهوته حركتها بما علمت وخصوصاً بالسفرجليات وإذا فرغت لم يكن بأس بأن يستعمل عليه جوارشناً قوياً مما يهضم ويقوي المعدة ويفتح السدد وذلك بعد زوال الحمى والأعراض والفصد سبيله أن لا يستعمل فيه حتى ينحط فيستعمل وأولى ما يسقاه ماء الشعير والغذاء مثل حصرميّة بقرع ولوز قليل ويبرد مضجعه ومشمومه وأقراص الكافور لا يجعل فيها ريوند فيضلك تسويده اللسان فتظن أن السواد عن حرارة في عروق اللسان كما يكون في أصحاب البرسام والأمراض الحادّة.

.فصل في حمّى يوم ورمية:

الحميات التابعة للأورام الباطنة تكون عفونية وربما صحبها دِق وليست من عدد حميات اليوم وأما الأورام الظاهرة كالدماميل والخراجات التي تقع في الأعضاء الغددية وفي اللحوم التي تسمى رخوة مثل التي تقع في الأربية عن فضول الكبد والإبط عن فضول القلب وتحت الأذن عن فضول الدماغ فإنها قد تتبعها حمّيات ولا يخلو إما أن يكون الذي يتأدى منها إلى القلب حتى يحمّيه سخونة وحدها أو مع عفونة فإن كانت سخونة وحدها فهي من جنس حميات اليوم وإن كانت سخونة مع عفونة فهي من جنس حمّيات الأورام الباطنة.
وأكثر ما يعرض من هذه الحمّيات تابعة لأورام تتبع أسباباً بادية من قروح وجرب وأوجاع وضربات وسقطات تندفع إليها المواد فتحتبس في طريقها عند اللحوم الرخوة فهي من جنس حمى يوم وأكثر ما يعرض من هذه الحميات تابعة لأورام أسبابها متقادمة مثل: امتلاءات وسدد سلفت فهي عفونية وأكثر ما تكون الحمّيات التابعة لها يومية.
إذا كانت الحميات تابعة والأورام أصولاً وأكثر ما تكون عفونية إذا كانت الحميات أصولاً والأورام تابعة على أنه قد يكون بالخلاف وبقراط يسمي هذه الحميات خبيثة ما كان منها يومية وغير يومية وأكثر هذه تتبع الأورام الدموية وقد تعرض تبعاً للحمرة ونحوها.
العلامات: علاماتها ما ذكرنا من تقدّم الأورام عليها وأن يكون الوجه أحمر منتفخاً زائداً فيهما على حال الصحة ولا تكون شديدة لذع الحرارة وإن كانت كثيرتها لأنَ أمثال هذه الأورام دموية اللهم إلا أن حميات تتبع الحمرة وهذه الحمّيات تتعقبها نداوة تنثر عن البدن ويكون النبض فيها عظيماً سريعاً متواتراً للامتلاء والحرارة ويكون البول مائياً أبيض لميلان المواد إلى الأورام والقروح.
يجب أن يتقدم فيها بالفصد والإسهال ويداوى الورم بما يجب في بابه ويلطف التدبير ولا يشرب الشراب البتة ولا يغذى إلا بعد الانحطاط التام ولا بد له من المطفّئات المبرًدة المرطبة والأضمدة المبردة بالثلج على العضو العليل الوارم حيث لا يضر بالورم ولا يفجعه بل يبرد الطرق بينه وبين القلب تبريداً ينفذ في القعر.

.فصل في حمى يوم قشفية:

هذه الحمى أيضاً تتبع عدم التحلل لسدد غير غائصة وكثير من الناس إذا تركوا عادتهم من الحمّام حموا وأكثرهم الذين يتولد في أبدانهم البخار المراري لمزاج أبدانهم أو أغذيتهم ومياههم الرديئة ولأحوالهم العارضة من السهر والتعب.
علاجها: التنظيف واستعمال الحمام والتعرق فيه بعد الانحطاط والتدلّك بمثل النخالة ودقيق الباقلى واللوز المرٌ وبزر البطيخ وشيء من الأشنان والبورق ويجعل غذاؤه مطفئاً مرطباً وشرابه كثير المزاج ويعاود الحمام مرارا.

.فصل في حمى يوم حرية:

قد يعرض من حرارة الهواء ومن حرارة الحمام ونحوه حمى وأكثر ذلك إنما يعرض من شدة حر الشمس ويكون أول تعلّقها بالروح النفساني إذا كان أول ما يتأذى به الرأس فيسخن هواؤه فيتأدى- إلى القلب فيصير حمى ثم ينتشر في البدن وقد يكون أول.
تعلقها بالقلب لحرارة النسيم وحين يصان الرأس عن الحر لكن أكثر ما تقع الشمسية تؤثر في الدماغ والرأس ولذلك إن لم يكن نقياً امتلأ رأسه وغير الشمسية من الغضبية والحمّامية وغيرها يؤثر في القلب.
العلامات: العلامة السبب الواقع وشدة التهاب الرأس في القسم الشمسي الدماغي وربما كان مع ثقل وامتلاء إن لم يكن البدن نقياً وعظم النفس في القسم القلبي ويكون ظاهر البدن شديد السخونة أسخن من داخله ومما يعرف به ذلك أن عطشه يكون قليلاً أقل من عطش من حرارته تلك الحرارة وهي في هذه الجملة بخلاف الاستحصافية.
العلاج: يحتاج أن يبدأ من علاجه بما يبرد من النطولات على الرأس والصدر ومن الأدهان الباردة وخصوصاً دهن الورد مبرداً على الثلج يُصب على الرأس والصدر من موضع بعيد ويسقى الماء البارد وما يجري مجراه لا يزال يفعل ذلك إلى أن تنحط الحمّى فإذا فارقت أدخل الحمّام ولا تبال من تنزله إن كانت به وحَمِّمْهُ بالماء الفاتر ولا تدع هواءه يسخِّنه ولا تخف من صبّ الماء الحار على رأسه فإنه يرطب ويحلّل الحمّى وحاجته إلى الاستحمام أكثر من حاجته إلى التمريخ فإذا خرج فعرِّق رأسه في الأدهان الباردة مثل دهن الورد والنيلوفر.

.فصل في حمى يوم استحصافية من البرد:

إنه قد يعرض من البرد والاستحمام بالمياه الباردة القابضة أن تكثف المسام الظاهرة ويحتقن البخار الدخاني على ما قيل في القشفية فتحدث الحمى وكثيراً ما يؤدي إلى العفونة وإنما يؤدي ذلك إلى الحمّى إذا كان البخار المحتقن حاداً ليس بعذب فإن العذب لا يولّدها.
العلامات: السبب وأن يكون البدن فيها أول ما يلمس غير شديد الحرارة فإذا لبثت اليد أحست بحرارة ترتفع ولا يكون النبض في صغر الغمّية والهمية والجوعيّة لأنه ليس ههنا تحلّل بل يكون سريعاً للحاجة إلا أن يكون البرد شديداً فربما مال إلى الصلابة ولا تكون العين غائرة بل ربما كانت منتفخة بسبب البخار المحتقن والماء قد يكون أبيض لأن الحرارة محتقنة قد يكون منصبغاً لأن الحرارة التي كانت تتحلل من المسام اندفعت إلى طريق البول.
العلاج: يدثرون في الحمّى حتى يعرقوا فإذا انحطت يدخلون الحمام ويستحمون بماء إلى الحرارة وبالهواء الحار وينطلون على أنفسهم مياهاً طبخ فيها مثل المرزنجوش والشبث والنمَام ويدلكون بما ذكرنا مما يجلو المسام ويرخيها ويؤخرون التمريخ إلى أن يتعرقوا أو يتدلكوا ويستحموا بالماء الحار جداً ويجب أن يتقدم الاستحمام بالماء.
الاستحمام بالهواء ثم يتمرّخون بأدهان موسعة للمسام ويُصَب على رؤوسهم أيضاً مثل دهن الشبث والخيري والبابونج ويغذون بأغذية خفيفة ويعطرون ويسقون شراباً أبيض رقيقاً أو ممزوجاً وهو خير لهم من الماء لما فيه من التعريق والإدرار والتمريخ بالدهن لأصحاب التعب أنفع منه لأصحاب الاستحصاف.

.فصل في حمى يوم استحصافية من المياه القابضة:

إنه قد يعرض لمن يستحمّ من المياه القابضة مثل ما يغلب عليه قوة الشب أو الزاج أن يشتدّ تكاثف مسامهم الظاهرة فتحتقن أبخرتهم ويعرض لهم ما قلنا مراراً وكثيراً ما يؤدي إلى العفونة.
العلامة: يدل عليها السبب وما يشاهد من قحولة الجلد كأنه مقدد أو مدبوغ وكما يمس جلداً مغموساً في ماء الزاج ويكون الحال في تزيد الحرارة بعد زمان من مس اليد كما في غيره مما يعرض من سدد المسام والنبض يكون أضعف وأصغر وأشدّ سرعة والبول أشد بياضاً ورقة كبول الشاة ولا يكون في أبدانهم ضمور ولا في أعينهم غؤر.
العلاج: يجب أن يعالجوا بقريب من علاج من قبلهم إلا أنهم لا يسقون الشراب إلا بعد ثقة من شدة توسع المسام إلا أن يكون الاستحصاف قليلاً فربما فتحه الشراب ويجب أن يكون تلطيف تدبيرهم أكثر ولبثهم في هواء الحمام واستحماماتهم بالماء الحار أكثر ويجب أن يؤخر تمريخهم أكثر.

.فصل في حمى يوم شربية:

قد يحدث من الشرب حمى يوم وعلاجهم علاج الخمار وربما احتيج إلى إطلاق بماء الفواكه ونحوه وإلى فصد وقيء ويتجنبوا الشراب أسبوعاً وخصوصاً إذا دام صداعهم ويجب أن يدخلوا الحمام بعد الانحطاط.

.فصل في حمى يوم غذائية:

الأغذية الحارة قد تفعل حمى يوم وكما أن الشمسية في أكثر الأمر دماغية وفي روح نفساني والحمّامية قلبية وفي روح حيواني فإن الغذائية كبدية وفي روح طبيعي وعلاجها الإدرار بالمبردات المعروفة.
ولا حاجة بنا أن نكرر ذلك وإطلاق الطبيعة بمثل الشيرخشت والتمر الهندي وإصلاح الكبد أول شيء بمثل ماء الهندبا والبقول والسكنجبين والأضمدة المبرّدة من الصندل والكافور وماء الورد وعصارته وعصارات البقول الباردة مبردة بالفعل والتطفئة بالأغذية الباردة الرطبة.
تم القول في حميات اليوم فلنبدأ الكلام في حمّيات العفونة وتمام القول في الحميات الدموية والصفراوية.

.المقالة الثانية: حميات العفونة:

العفونة تحدث إما بسبب الغذاء الرديء إذا كان متهيئاً لأن يعفن ما يتولد عنه لرداءة جوهره أو لسرعة قبوله للفساد وإن كان جيد الجوهر مثل اللبن أو لأنه مائي الغذاء يسلب الدم متانته مثل ما يتولّد عن الفواكه الرطبة جداً أو لأنه مما لا يستحيل إلى دم جيد بل يبقى خلطاً رديئاً بارداً يأباه الحار الغريزي ويعفنه الغريب مثل ما يتولد عن القثاء والقند والكمثري ونحوه أو رداءة صنعته أو وقته وترتيبه على ما علمت وإما بسبب السدّة المانعة للتنفس والتروّح بسبب مزاج البدن الرديء إذا لم يطق الهضم الجيد وكان أيضاً أقوى مما لا يفعل في الغذاء والخلط شيئاً فيتركه فجاً ومثل هذا المزاج إما أن يولد أخلاطاً رديئة وإما أن يفسد ما يولّده لتقصيره في الهضم ولتحريكه إياه التحريك القاصر وهذه أسباب معينة في تولّد السدد المولّدة للعفونة.
وإما بسبب أحوال خارجة من الأهوية الرديئة كهواء الوباء وهواء البطائح والمستنقعات وقد يجتمع منها عدة أمور وأكثر أسباب العفونة السدّة والسدّة إما لكثرة الخلط أو غلظه أو لزوجته.
وأسباب كثرة الأخلاط وغلظها ولزوجتها معلومة وإيراثها السدٌة معلوم فإذا حدثت السدّة حدثت العفونة لعدم التروح وخاصة إذا كانت معقبة بحركات في غير وقتها على امتلاء وتخمة واستحمامات مثل ذلك أو تشمس أو تناول مسخنات على الامتلاء وترك مراعاة الهضم في المعدة والكبد وتلافي تقصير إن وقع بتسخينهما بالأطلية والكمادات والعفونة قد تكون عامة للبدن كله وقد تكون في عضو لضعفه أو لشدة حرارته الغريبة وحدتها أو وجعه والخلط القابل للعفونة إما صفراء يكون حق ما يتبخر عنها أن يكون دخانياً لطيفاً حاداً وإما دم حق ما يتبخر عنه أن يكون بخارياً لطيفاً وإما بلغم يكون حقٌ ما يتبخر عنه أن يكون بخارياً كثيفاً وأما سوداء حق ما يتبخر عنها أن يكون دخانياً كثيفاً غبارياً وعفونة الصفراء توجب الغب وما يجري مجراها وعفونة الدم توجب المطبقة وعفونة البلغم في أكثر الأمر توجب النائبة كل يوم وما يجري مجراها وعفونة السواء توجب الربع وما يجري مجراها والدم مكانه داخل وأما الصفراء والبلغم والسوداء فقد تعفن داخل العروق وقد تعفن خارج العروق وإذا عفنت خارج العروق ولم يكن سبب آخر ولا كانت العفونة في ورم باطن يمد القلب عفونة متصلة أوجبت الدور الذي ذكرنا لكل واحدة فعرض وأقلع وإن كانت البلغمية لا يقلع إلا وهناك بقية خفية.
وإذا عفنت داخل العروق أوجبت لزوم الحمى ولم تكن مقلعة ولا قريبة من المقلعة بل كانت لازمة دائمة لكن لها اشتدادات تتعرف بها النوبة التي لها.
وإذا كانت العفونة الداخلة مشتملة على العروق كلها أو على أكثر ما يلي القلب منها لم تكد الاشتدادات والنقصانات تظهر وإذا كانت على خلاف ذلك ظهرت التغيرات ظهوراً بيِّناً وإنما كانت العفونة الخارجة تقلع ثم تنوب لأن المادة التي تعفن تأتي عليها العفونة في مدة النوبة فتفني رطوباتها التي بها تتعلق الحرارة وتتحلل وتخرج من البدن لأنها غير محبوسة في العروق فيمنعها ذلك عن تمام التحلل وتبقى رماديتها وأرضيتها التي ليست مظنة للحمى والحرارة كما يرى من حال عفونة الأكداس والمزابل قليلاً قليلاً حتى يترمد الجميع ثم لا يبقى حرارة.
وإذا لم تبق في الخلط المحترق بالعفونة حرارة بطلت الحمّى إلى أن تجتمع مادة أخرى إلى موضع العفونة وقد بقيت فيها بقية حرارة من العفونة الأولى.
وإن لم تبق مادة أو لوجود علة التعفّن من الأول في المادة الأولى فتشتعل في المادة الثانية على سبيل التعفين فأمر العفونة يدور على وجود حرارة مقصرة تعفن وتحلّل وترمّد وتتعدى إلى المجاور حتى تقطع الحد وتفني المادة ولا تجد مجاوراً آخر وتبقى بقية حمى تنتظر مادة أخرق تتحلّب إلى موضعها.
وأما إذا كانت العفونة داخل العروق فقد يعرض أن يكون التحلل التام متعذّراً وأن تدور العفونة لاتصال بعض ما في العروق ببعض فتعفن كل شيء ما يجاورهم تدور المجاور الآخر وأيضاً فإن المحصورة في العروق شديدة المواصلة للقلب وهذه الحميات التي لها نوائب إقلاع وتفتير قد يترك نظامها لاختلاف المواد في الكثرة والقلة والغلظ والرقة ولاختلافها في الجنس بأن ينتقل بعض المواد فيصير من جنس مادة أخرى يخالفها في النوع لا في الكثرة والقلة والغلظ والرقة فقط.
وقد يكون من سوء تدبير العليل أو لضعفه أو لكثرة حسه ونوائب المقلعة تبتدئ في أكثر الأمر بقشعريرة أو برد أو نافض وتتحلل بالعرق وإنما صارت تبتدئ بالبرد أو بالقشعريرة في الأكثر أما لسبب برد الخلط وأما للدغ الخلط للعضل بحدتهَ وأما لغور الحرارة إلى الباطن متجهة نحو المادة وأما لضعف القوة وأما لبرد الهواء والذي يكون من لذع الحرارة فهو أولى بأن ينسب إلى القشعريرة منه إلى البرد.
وأكثر ما يعرض منه أن يكون كنخس الأبر في كل عضو وأما تحلل المادة بالعرق فإن الحرارة المعفنة تحلل الرطوبة وتبقى الرمادية وإذا كانت تلك الرطوبة غير محصورة في العروق سهل اندفاعها في المسام عرقاً ونوائب اللازمة التي لا تفتر ولا تقلع لا تبتدئ ببرد إلا لضعف القوهَ أو لغور الحرارة الغريزية فتبرد الأطراف وذلك علامة رديئة.
وقد يتركب في بعض الحميات برد وقشعريرة معاً لأن المادة التي تعفن تكون مركبة من بارد ومن لاذع وقد تتركب بعض حميات العفونة تركيباً تصير في هيئة اللازمة وذلك مثلاً إذا كان قد ابتدأ خلط يعفن في موضع فكما أتت عيه العفونة ابتدأ خلط من جنسه أو من غير جنسه يعفن فصادفت عفونة الثاني زمان إقلاع نوبة الأول ثم اتصل الأمر كذلك وقد.
تتركب الحميات العفنية ضروباً أخرى من التراكيب سنفصلها فيِ بابها.
وأدوار الحميات قد تطول وقد تقصر فطولها لغلظ المادة أو لزوجتها أو لكثرتها أو سكونها أو لضعف القوة أو لضعف الحس أو لتكاثف المسام فلا يتحلل الخلط وقصرها لأضداد ذلك والنوائب تسرع وتبطئ وبطؤها أما بسبب أن المادة قليلة أو بطيئة الحركة إلى معدن العفونة لغلظها وهذه كمادة الربع وسرعتها لأنها كثيرة كالبلغم إلا الزجاجي فنوائبه ربما تباطأت أو لطيفة كالصفراء.
وأردأ الحميات هي: اللازمة التي تكون العفونة فيها داخلة العروق ثم المقلعة التي تكون العفونة فيها في جميع البدن أو في نواحي القلب وقلما يعرض.
للمشايخ حمى صالب لبرد مزاجهم وقلة التخم فيهم.
وأما النبض فإنه تختلف أحواله في الحميات العفنية بحسب اختلافها في أجناسها أو بحسب اختلاف النوع الواحد منها في الشدة والضعف وفي قوة الأعراض وضعفها وقد يعرض له الصلابة فيها إما لورم حار شديد التمديد أو ورم حار في عضو عصبي أو ورم صلب أو لشدّة اليبس أو عند استيلاء البرد في الابتداءات وقد تكون لينة بسبب المادة الرطبة اللينة البلغمية والدموية وبسبب أن الورم في عضو لين مثل: ذات الكبد وذات الرئة وليثرغش أو لسبب التندي المتوقّع عندما يريد أن يعرق والنبض يكون في ابتداء النوائب ضعيفاً منضغطاً بسبب إقبال القوة على المادة واستشغالها بالتنقية والترويح.